الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هموم السوريين على العالم أبرد من الثلج 

هموم السوريين على العالم أبرد من الثلج 

29.06.2021
د. أحمد موفق زيدان


الجزيرة 
الاثنين 28/6/2021 
في الوقت الذي يتطلع فيه العالم إلى المحتل الروسي القاتل الذي استباح الأرض والعرض والإنسان والحيوان وكل ما تطاله أياديه المجرمة القاتلة؛ يتطلع بعضهم إلى شطر شفقة معدومة بألا يستخدم حقا مكتسبا -بفضل وحشيته- في مجلس الأمن الدولي، فيتفضل بالإبقاء على معبر باب الهوى اليتيم الذي تبقى للسوريين، لكي تصل مساعدات تُبقيهم على قيد الحياة، بعد أن قتل أي أمل بالحياة لديهم في داخل سوريا، فأكلَ خيراتها ودمر بنيتها وقتل بشرها على مدى عقد كامل، وسط تحويل العالم كله الثورة السورية وضحاياها إلى قضية معابر إنسانية وطعام وكساء. 
في المخيمات حيث يتكدس الملايين في خيام لا تعيشها الحيوانات، فهل رأيتم 10 من الحيوانات تعيش تحت خيمة واحدة؟ فكيف بحياة البشر!؛ حيث للبنت خصوصيتها وللشاب خصوصيته، وفضلا عن ذلك للزوج والزوجة حياتهما، ومن استطاع النجاة بجلده فقد دمر طيران الاحتلال الروسي بيته، وثمة بيوت أخرى قد تكفلت بتدميرها وتعفيشها الشبيحة والمليشيات الطائفية الموالية لها، وأما من بقي في المدن المحررة فللطيران الروسي ومعه الصواريخ الإيرانية والعصابات الأسدية الحق الكامل المكتسب من قوى الأرض كلها في قتله على مدار الساعة ومدار اليوم ومدار الأسبوع ثم الشهر ثم السنة والعقد الكامل دون إدانة أو تهديد أو رد. 
لم نسمع عن جنازة تتحول إلى جنازتين إلا في سوريا المحتلة، فبالأمس في بلدة آفس الوادعة التي دمرها هولاكو وتتار العصر وغدت خط نار؛ لم يستطع أهلها الطيبون فراقها، فعاد بعضهم للسكن في بيوت أو بقايا بيوت بفعل القصف والدمار الذي لحق بها، وبينما كان أهالي البلدة يشيعون امرأة مسنة توفيت بشكل طبيعي إلى مثواها الأخير في مقبرة البلدة؛ إذا بقذائف المليشيات الروسية المجرمة تقصفهم، فتتحول الجنازة إلى 5 جنازات، وتجرح عددا من المشيعين، يحدث هذا دون أن نسمع عن إدانة واحدة ولو من بلاد واق الواق. 
سوريا التي تعيش حالة احتلالات متعددة، بل احتلالات متناقضة اختلفت مع بعضها خارج سوريا في كل شيء إلا في التنسيق الجوي والبري في الشام، فهل رأيتم قصفا روسيا وأميركيا ووجودا ثنائيا للطرفين إلا في سوريا؟ وهل وجدتم حضورا وقصفا إيرانيا وصهيونيا إلا في سوريا؟، وهل وجدتم تنسيقا بين قوى المقاومات والممانعات إلا في سوريا؟ أما العالم كله، فأعمى وأصم وأبكم، حاله تماما كالمثل البشتوني الأفغاني "هموم الآخرين أبْرد من الثلج"، وهو حال العالم كله على مدى عقد كامل، همومنا كسوريين بالنسبة له أبرد من الثلج، إن لم يكن حاله قد طرب لعذاباتنا ومآسينا ومجازرنا التي تحصل على مدار الساعة. 
كنا نظن أن القصف الجوي للمدن الآمنة بالأهالي محرم دوليا، وقد تم تحريمه في ظروف الحرب بين الدول، ولكن القصف الجوي على المشافي والمدارس والأسواق والمخابز والبيوت -والذي أرغم 12 مليون شخص على مغادرة منازلهم- غدا طبيعيا وعاديا في سوريا؛ وذلك بعد أن خِلنا أن سلاح الدمار الشامل قد انتهى استخدامه بين الدول فضلا عن استخدامه ضد الشعوب المدنية، ليستخدم أكثر من 377 مرة بحسب دراسة ألمانية حديثة. 
لكن الجديد في الغطرسة الروسية هو استعراض لصواريخ "كينجال" -أي "الخنجر"- المخترقة للصوت، فمن المفارقات -التي ربما لم تحصل من قبل في تاريخ التصنيع والجيوش العسكرية- أن يتم نشر هذه الصواريخ في سوريا اليوم قبل أن يتسلمها الجيش الروسي على أراضيه، إضافة إلى نشر قاذفات من طراز "ميغ 31" دون أن يستدر عطف بيان واحد من أحد على هذه البسيطة، وبالتأكيد فإن البلطجة الروسية لا تستقوي إلا على مدنيين، ولا تسرح وتمرح إلا وسطهم، وإلا فالكل رأى مصير الأسلحة الروسية في ناغورني قره باغ أمام طيران البيرقدار التركي، فكيف بالتقنية الغربية والأميركية تحديدا؟، وكان المسؤولون الروس قد أعلنوا أخيرا عن تجريبهم أكثر من 200 سلاح جديد في سوريا، معترفين أن أكثر ما تم تجريبه كان أقرب إلى الفشل، إذ يتوقع أن يتسلمها هذا العام (2021). وزيادة على ذلك صور قوانين قيصر التي لم تحصل في القرون الوسطى، والعالم أعمى وأصم وأبكم، ولا يزال يزور بعضهم الحقائق فيصفها بالحرب الأهلية، ولذلك ربما يكون هناك مدونة أخرى.